فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قال الحسن: إنما سماهم منافقين وإن أظهروا الكفر لأنهم وصفوا بالصفة التي كانوا عليها من قبل، والمراد بقوله: {فِئَتَيْنِ} ما بينا أن فرقة منهم كانت تميل إليهم وتذب عنهم وتواليهم، وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم، فنهوا عن ذلك وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبري والتكفير، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
الركس: رد الشيء من آخره إلى أوله، فالركس والنكس والمركوس والمنكوس واحد، ومنه يقال للروث الركس لأنه رد إلى حالة خسيسة، وهي حالة النجاسة، ويسمى رجيعا لهذا المعنى أيضا، وفيه لغتان: ركسهم وأركسهم فارتكسوا، أي ارتدوا.
وقال أمية:
فأركسوا في حميم النار إنهم ** كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا

. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {والله أرْكَسَهم بما كسبوا} حالية، أي إن كنتم اختلفتم فيهم فالله قد ردّهم إلى حالهم السوأى، لأنّ معنى أركس رَدّ إلى الرّكْس، والركس قريب من الرجس.
وفي حديث الصحيح في الروث «إنّ هذا رِكْسٌ» وقيل: معنى أركس نكس، أي ردّ ردًّا شنيعًا، وهو مقارب للأول.
وقد جعل الله ردّهم إلى الكفر جزاء لسوء اعتقادهم وقلّة إخلاصهم مع رسوله صلى الله عليه وسلم فإنّ الأعمال تتوالد من جنسها، فالعمل الصالح يأتي بزيادة الصالحات، والعمل السيّيء يأتي بمنتهى المعاصي، ولهذا تكرّر في القرآن الإخبار عن كون العمل سببًا في بلوغ الغايات من جنسه. اهـ.

.قال الماوردي:

وفي قوله تعالى: {وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا} خمسة تأويلات:
أحدها: معناه ردهم، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: أوقعهم، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا.
والثالث: أهلكهم، وهذا قول قتادة.
والرابع: أَضَلَّهم، وهذا قول السدي.
والخامس: نكسهم، وهذا قول الزجاج. اهـ.

.قال الفخر:

معنى الآية أنه ردهم إلى أحكام الكفار من الذل والصغار والسبي والقتل بما كسبوا، أي بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق، وذلك أن المنافق ما دام يكون متمسكا في الظاهر بالشهادتين لم يكن لنا سبيل إلى قتله، فإذا أظهر الكفر فحينئذ يجري الله تعالى عليه أحكام الكفار. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله} استئناف بياني نشأ عن اللوم والتعجيب الذي في قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين}، لأنّ السامعين يترقّبون بيان وجه اللوم، ويتساءلون عمّاذا يتُخذون نحو هؤلاء المنافقين.
وقد دلّ الاستفهام الإنكاري المشوب باللوم على جملة محذوفة هي محلّ الاستئناف البياني، وتقديرها: إنهم قد أضلّهم الله، أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله، بناء على أنّ قوله: {والله أركسهم} ليس المراد منه أنَّه أضلّهم، بل المراد منه أساءَ حالهم، وسوءُ الحال أمر مجمل يفتقر إلى البيان، فيكون فَصْل الجملة فصل الاستئناف.
وإن جعلتَ معنى {والله أركسهم} أنّه ردّهم إلى الكفر، كانت جملة {أتريدون} استئنافًا ابتدائيًا، ووجه الفصل أنّه إقبال على اللوم والإنكار، بعد جملة {والله أركسهم} التي هي خبرية، فالفصل لكمال الانقطاع لاختلاف الغرضين. اهـ.

.قال الماوردي:

{أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ} فيه قولان:
أحدهما: أن تُسَمُّوهم بالهُدى وقد سمّاهم الله بالضلال عقوبة لهم.
والثاني: تهدوهم إلى الثواب بمدحهم والله قد أَضَلَّهم بذمهم. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة المراد من قوله: {أَضَلَّ الله} ليس أنه هو خلق الضلال فيه للوجوه المشهورة، ولأنه تعالى قال قبل هذه الآية: {والله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ} فبين تعالى انه إنما ردهم وطردهم بسبب كسبهم وفعلهم، وذلك ينفي القول بان إضلالهم حصل بخلق الله وعند هذا حملوا قوله: {مَنْ أَضَلَّ الله} على وجوه: الأول: المراد منه ان الله تعالى حكم بضلالهم وكفرهم كما يقال فلان يكفر فلانا ويضله: بمعنى أنه حكم به وأخبر عنه:
الثاني: أن المعنى أتريدون أن تهدوا إلى الجنة من أضله الله عن طريق الجنة، وذلك لأنه تعالى يضل الكفار يوم القيامة عن الاهتداء إلى طريق الجنة.
الثالث: أن يكون هذا الإضلال مفسرا بمنع الالطاف.
واعلم أنا قد ذكرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب ضعف هذه الوجوه، ثم نقول: هب أنها صحيحة، ولكنه تعالى لما أخبر عن كفرهم وضلالهم، وانهم لا يدخلون الجنة فقد توجه الإشكال لأن انقلاب علم الله تعالى جهلا محال، والمفضي إلى المحال محال، ومما يدل على أن المراد من الآية أن الله تعالى أضلهم عن الدين قوله: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} فالمؤمنون في الدنيا إنما كانوا يريدون من المنافقين الإيمان ويحتالون في إدخالهم فيه.
ثم قال تعالى: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} فوجب أن يكون معناه أنه تعالى لما أضلهم عن الإيمان امتنع أن يجد المخلوق سبيلا إلى إدخاله في الإيمان، وهذا ظاهر. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا} أي: فلن تجد لهدايته سبيلًا.
والمعنى: لخلق الهداية في قلبه، وهذا هو المنفى.
والهداية بمعنى الإرشاد والتبيين، هي للرسل.
وخرج من خطابهم إلى خطاب الرسول على سبيل التوكيد في حق المختلفين، لأنه إذا لم يكن له ذلك، فالأحرى أن لا يكون ذلك لهم.
وقيل: من يحرمه الثواب والجنة لا يجد له أحد طريقًا إليهما.
وقيل: من يهلكه الله فليس لأحد طريق إلى نجاته من الهلاك.
وقيل: ومن يضلل الله فلن تجد له مخرجًا وحجة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}.
أنكر تعالى في هذه الآية الكريمة على من أراد أن يهدي من أضله الله، وصرح فيها بأن من أضله الله لا يوجد سبيل إلى هداه، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41] وقوله: {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: 186] ويؤخذ من هذه الآيات أن العبد ينبغي له كثرة التضرع والابتهال إلى الله تعالى: أن يهديه ولا يضله، فإن من هداه الله لا يضل، ومن أضله لا هادي له، ولذا ذكر عن الراسخين في العلم أنهم يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] الآية. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَمَا لَكُمْ} مبتدأ وخبر، والاستفهام للإنكار، والنفي والخطاب لجميع المؤمنين، (وما فيه من معنى التوبيخ لبعضهم)، وقوله سبحانه: {فِى المنافقين} يحتمل كما قال السمين أن يكون متعلقًا بما يدل عليه قوله تعالى: {فِئَتَيْنِ} من معنى الافتراق أي فما لكم تفترقون في المنافقين، وأن يكون حالًا من {فِئَتَيْنِ} أي فئتين مفترقتين في المنافقين، فلما قدم نصب على الحال، وأن يكون متعلقًا بما تعلق به الخبر أي أي شيء كائن لكم في أمرهم وشأنهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وفي انتصاب {فِئَتَيْنِ} وجهان كما في «الدر المصون».
وأحدهما: أنه حال من ضمير {لَكُمْ} المجرور والعامل فيه الاستقرار، أو الظرف لنيابته عنه، وهذه الحال لازمة لا يتم الكلام بدونها، وهذا مذهب البصريين في هذا التركيب وما شابهه، وثانيهما: وهو مذهب الكوفيين أنه خبر كان مقدرة أي مالكم في شأنهم كنتم فئتين، ورد بالتزام تنكيره في كلامهم نحو {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] وأما ما قيل على الأول: من أن كون ذي الحال بعضًا من عامله غريب لا يكاد يصح عند الأكثرين فلا يكون معمولًا له، ولا يجوز اختلاف العامل في الحال وصاحبها فمن فلسفة النحو كما قال الشهاب، والمراد إنكار أن يكون للمخاطبين شيء مصحح لاختلافهم في أمر المنافقين، وبيان وجوب قطع القوم بكفرهم وإجرائهم مجرى المجاهرين في جميع الأحكام وذكرهم بعنوان النفاق باعتبار وصفهم السابق.